فصل: تفسير الآيات (60- 63):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (60- 63):

{فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)}
{فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ} مكره وحيلته وسحرته، {ثُمَّ أَتَى} الميعاد. {قَالَ لَهُمْ مُوسَى} يعني: للسحرة الذين جمعهم فرعون، وكانوا اثنين وسبعين ساحرا، مع كل واحد حبل وعصا.
وقيل: كانوا أربعمائة. وقال كعب: كانوا اثني عشر ألفا. وقيل أكثر من ذلك.
{وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} قرأ حمزة والكسائي وحفص: {فَيُسْحِتَكُمْ} بضم الياء وكسر الحاء، وقرأ الباقون بفتح الياء والحاء وهما لغتان. قال مقاتل والكلبي: فيهلككم. وقال قتادة: فيستأصلكم، {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أي: تناظروا وتشاوروا، يعني السحرة في أمر موسى سرا من فرعون.
قال الكلبي: قالوا سرا: إن غلبنا موسى اتبعناه.
وقال محمد بن إسحاق: لما قال لهم موسى: لا تفتروا على الله كذبا، قال بعضهم لبعض: ما هذا بقول ساحر.
{وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} أي المناجاة، يكون مصدرا واسما، ثم {قَالَوا} وأسر بعضهم إلى بعض يتناجون: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} يعني موسى وهارون.
قرأ ابن كثير وحفص: {إِنْ} بتخفيف النون، {هَذَانِ} أي ما هذان إلا ساحران، كقوله: {إن نظنك لمن الكاذبين} [الشعراء: 186]، أي ما نظنك إلا من الكاذبين، ويشدد ابن كثير النون من {هذان}.
وقرأ أبو عمرو {إن} بتشديد النون {هذين} بالياء على الأصل.
وقرأ الآخرون: {إن} بتشديد النون، {هذان} بالألف، واختلفوا فيه: فروى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنه خطأ من الكاتب.
وقال قوم: هذه لغة الحارث بن كعب، وخثعم، وكنانة، فإنهم يجعلون الاثنين في الرفع والنصب والخفض بالألف، يقولون: أتاني الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان، فلا يتركون ألف التثنية في شيء منها وكذلك يجعلون كل ياء ساكنة انفتح ما قبلها ألفا، كما في التثنية، يقولون: كسرت يداه وركبت علاه، يعني يديه وعليه. وقال شاعرهم:
تزود مني بين أذناه ضربة ** دعته إلى هابي التراب عقيم

يريد بين أذنيه.
وقال آخر:
إن أباها وأبا أباها ** قد بلغا في المجد غايتاها

وقيل: تقدير الآية: إنه هذان، فحذف الهاء.
وذهب جماعة إلى أن حرف {أن} هاهنا، بمعنى نعم، أي نعم هذان روى أن أعرابيا سأل ابن الزبير شيئا فحرمه، فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إن وصاحبها، أي نعم.
وقال الشاعر:
بكرت عليَّ عواذلي ** يلحينني وألومهنه

ويقلن شيب قد علا ** ك وقد كبرت فقلت إنه

أي: نعم.
{يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ} مصر {بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} قال ابن عباس: يعني بسراة قومكم وأشرافكم، يقال: هؤلاء طريقة قومهم أي أشرافهم و{الْمُثْلَى} تأنيث الأمثل، وهو الأفضل، حديث الشعبي عن علي، قال: يصرفان وجوه الناس إليهما.
قال قتادة: طريقتهم المثلى يومئذ بنو إسرائيل كانوا أكثر القوم عددا وأموالا فقال عدو الله: يريدان أن يذهبا بهم لأنفسهم.
وقيل: {بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} أي بسنتكم ودينكم الذي أنتم عليه و{الْمُثْلَى} نعت الطريقة، تقول العرب: فلان على الطريقة المثلى، يعني: على الهدى المستقيم.

.تفسير الآيات (64- 67):

{فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67)}
{فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ} قرأ أبو عمرو: {فأجمعوا} بوصل الألف وفتح الميم، من الجمع، أي لا تدعوا شيئا من كيدكم إلا جئتم به، بدليل قوله: {فجمع كيده}، وقرأ الآخرون بقطع الألف وكسر الميم. فقد قيل: معناه الجمع أيضا، تقول العرب: أجمعت الشيء وجمعته بمعنى واحد.
والصحيح أن معناه العزم والإحكام، أي: أعزموا كلكم على كيده مجتمعين له، ولا تختلفوا فيختل أمركم.
{ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} أي جميعا، قاله مقاتل والكلبي، وقال قوم: أي مصطفين مجتمعين ليكون أشد لهيبتكم، وقال أبو عبيدة: الصف المجمع، ويسمى المصلى صفا. معناه: ثم ائتوا المكان الموعود.
{وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى} أي: فاز من غلب. {قَالَوا} يعني السحرة، {يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ} عصاك، {وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} عصاه. {قَالَ} موسى: {بَلْ أَلْقُوا} أنتم أولا {فَإِذَا حِبَالُهُمْ} وفيه إضمار، أي فألقوا فإذا حبالهم {وَعِصِيُّهُمْ} جمع العصا، {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ} قرأ ابن عامر ويعقوب {تخيل} بالتاء ردا إلى الحبال والعصي، وقرأ الآخرون بالياء ردوه إلى الكيد والسحر، {مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}.
وفي القصة أنهم لما ألقوا الحبال والعصي أخذوا أعين الناس، فرأى موسى والقوم كأن الأرض امتلأت حيات، وكانت قد أخذت ميلا من كل جانب ورأوا أنها تسعى. {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} أي وجد، وقيل: أضمر في نفسه خوفا، واختلفوا في خوفه: قيل: خوف طبع البشرية، وذلك أنه ظن أنها تقصده.
وقال مقاتل: خاف على القوم أن يلتبس عليهم الأمر فيشكوا في أمره فلا يتبعوه.

.تفسير الآيات (68- 72):

{قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)}
{قُلْنَا} لموسى: {لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأعْلَى} أي: الغالب، يعني: لك الغلبة والظفر. {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ} يعني العصا، {تَلْقَفْ} تلتقم وتبتلع، {مَا صَنَعُوا} قرأ ابن عامر {تلقف} برفع الفاء هاهنا، وقرأ الآخرون بالجزم على جواب الأمر، {إِنَّمَا صَنَعُوا} إن الذي صنعوا، {كَيْدُ سَاحِرٍ} أي حيلة سحر، هكذا قرأ حمزة والكسائي: بكسر السين بلا ألف، وقرأ الآخرون: {ساحر} لأن إضافة الكيد إلى الفاعل أولى من إضافته إلى الفعل، وإن كان ذلك لا يمتنع في العربية، {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} من الأرض، قال ابن عباس: لا يسعد حيث كان. وقيل: معناه حيث احتال. {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ} لرئيسكم ومعلمكم، {الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أي: على جذوع النخل {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا}؛ أنا على إيمانكم به، أو رب موسى على ترك الإيمان به؟ {وَأَبْقَى} أي: أدوم. {قَالُوا} يعني السحرة: {لَنْ نُؤْثِرَكَ} لن نختارك، {عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} يعني الدلالات، قال مقاتل: يعني اليد البيضاء والعصا.
وقيل: كان استدلالهم أنهم قالوا لو كان هذا سحرا فأين حبالنا وعصينا.
وقيل: {مِنَ الْبَيِّنَاتِ} يعني من التبيين والعلم.
حكي عن القاسم بن أبي بزة أنه قال: إنهم لما ألقوا سجدا ما رفعوا رءوسهم حتى رأوا الجنة والنار، ورأوا ثواب أهلها، ورأوا منازلهم في الجنة، فعند ذلك قالوا: لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات، {وَالَّذِي فَطَرَنَا} أي: لن نؤثرك على الله الذي فطرنا، وقيل: هو قسم، {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} أي: فاصنع ما أنت صانع، {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي: أمرك وسلطانك في الدنيا وسيزول عن قريب.

.تفسير الآية رقم (73):

{إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)}
{إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ} فإن قيل: كيف قالوا هذا، وقد جاءوا مختارين يحلفون بعزة فرعون أن لهم الغلبة؟.
قيل: روي عن الحسن أنه قال: كان فرعون يكره قوما على تعلم السحر لكيلا يذهب أصله، وقد كان أكرههم في الابتداء.
وقال مقاتل: كانت السحرة اثنين وسبعين، اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل، كان فرعون أكره الذين هم من بني إسرائيل على تعلم السحر، فذلك قولهم: {وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ}.
وقال عبد العزيز بن أبان: قالت السحرة لفرعون: أرنا موسى إذا نام، فأراهم موسى نائما وعصاه تحرسه، فقالوا لفرعون إن هذا ليس بساحر، إن الساحر إذا نام بطل سحره، فأبى عليهم إلا أن يتعلموا، فذلك قوله تعالى: {وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ}.
{وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} قال محمد بن إسحاق: خير منك ثوابا، وأبقى عقابا.
وقال محمد بن كعب: خير منك ثوابا إن أطيع، وأبقى منك عذابا إن عصى، وهذا جواب لقوله: {ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى}.

.تفسير الآيات (74- 77):

{إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلا (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى (77)}
{إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} قيل: هذا ابتداء كلام من الله تعالى. وقيل: من تمام قول السحرة {مُجْرِمًا} أي: مشركا، يعني: مات على الشرك، {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا} فيستريح، {وَلا يَحْيَا} حياة ينتفع بها. {وَمَنْ يَأْتِهِ} قرأ أبو عمرو ساكنة الهاء ويختلسها أبو جعفر، وقالون ويعقوب، وقرأ الآخرون بالإشباع، {مُؤْمِنًا} مات على الإيمان، {قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلا} الرفيعة، و{الْعُلا} جمع، و{العليا} تأنيث الأعلى. {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} أي: تطهر من الذنوب. وقال الكلبي: أعطى زكاة نفسه وقال لا إله إلا الله.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد السمسار، أخبرنا أبو أحمد حمزة بن محمد بن عباس الدهقان، أخبرنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي، أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الدري في أفق من آفاق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما» قوله عز وجل: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} أي: سر بهم ليلا من أرض مصر، {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ} أي اجعل لهم طريقا في البحر بالضرب بالعصا، {يَبَسًا} يابسا ليس فيه ماء ولا طين، وذلك أن الله أيبس لهم الطريق في البحر، {لا تَخَافُ دَرَكًا} قرأ حمزة {لا تخف} بالجزم على النهي، والباقون بالألف والرفع على النفي، لقوله تعالى: {وَلا تَخْشَى} قيل: لا تخاف أن يدركك فرعون من ورائك ولا تخشى أن يغرقك البحر أمامك.

.تفسير الآيات (78- 81):

{فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأيْمَنَ وَنزلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81)}
{فَأَتْبَعَهُمْ} فلحقهم، {فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ} وقيل: معناه أمر فرعون جنوده أن يتبعوا موسى وقومه، والباء فيه زائدة وكان هو فيهم، {فَغَشِيَهُمْ} أصابهم، {مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} وهو الغرق. وقيل: غشيهم علاهم وسترهم بعض ماء اليم لا كله.
وقيل: غشيهم من اليم ما غشيهم قوم موسى فغرقهم هم، ونجا موسى وقومه. {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} أي: ما أرشدهم، وهذا تكذيب لفرعون في قوله: {وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} [غافر: 29].. قوله عز وجل: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ} فرعون، {وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأيْمَنَ وَنزلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} قرأ حمزة والكسائي: {أنجيتكم}، و{واعدتكم}، و{رزقتكم} بالتاء على التوحيد، وقرأ الآخرون بالنون والألف على التعظيم، ولم يختلفوا في {وَنزلْنَا} لأنه مكتوب بالألف.
{وَلا تَطْغَوْا فِيهِ} قال ابن عباس: لا تظلموا. قال الكلبي: لا تكفروا النعمة فتكونوا طاغين.
وقيل: لا تنفقوا في معصيتي.
وقيل: لا تدخروا، ثم ادخروا فتدود، {فَيَحِلَّ} قرأ الأعمش، والكسائي: {فيحل} بضم الحاء {ومن يحلل} بضم اللام، أي: ينزل، وقرأ الآخرون بكسرها أي: يجب، {عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} هلك وتردى في النار.